• 2020-10-24

تأملات

الهجرة النبوية دروس وعظات (2) إعداد نفوس قادرة على العطاء

إن الإعداد لدولة الإسلام ذات نهضة وريادة وقوة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة هي حقيقة بدأت قبل هجرة المصطفى صلى عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة، منذ اللحظة الأولى ومع أول آية من نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار : "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"، حيث كانت دعوة للعلم والتنوير وإعداد العقول وتهيئة القلوب والنفوس قبل الأبدان لما هو قادم من تكاليف ومهام جسيمة وأعباء كبيرة وأمانة أبت أن تحملها السموات والأرض والجبال، وهكذا استمرت الأعوام التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة تُربي هذه العصبة وتُشحذ قلوبها بالإيمان والصبر والفداء والتضحية وتُعد لما هو أكبر. إنها نهضة أمة الإسلام وازدهارها حتى يتمكن أفرادها بأن يكونوا مشاعل لهذه الرسالة الربانية بالإيمان والعلم وحسن الخلق لنشر قيم الإنسانية الفاضلة وعمارة الأرض بالعدل والرحمة "ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".
كما اقتضت حكمة الله عز وجل وحنكة القائد العظيم في تهيئة النفوس التي ستسقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن بايعوه في بيعتي العقبة الأولى والثانية، إنهم أهل يثرب الذين طلبوا من النبي عليه السلام بعد بيعة العقبة الأولى في العام الثاني عشر من البعثة أن يرسل معهم من يعلمهم دينهم فأرسل معهم مصعب ابن عمير رضي الله عنه ، وهنا تبين حكمة القائد في اختيار مستشاريه ومساعديه ممن يملكون حسن البيان والقدرة على التواصل مع مختلف فئات المجتمع، حيث تمكن مصعب رضي الله عنه أن لا يترك بيتًا في المدينة إلا وعرف أهله بالإسلام متوجهًا إلى سادة القبائل وزعمائها ودعوتهم للدين وجعلهم سفراء له عند أتباعهم، وهنا تبرز أهمية التهيئة وخلق البيئة المناسبة في إنجاح أي مشروع أو عمل تقدم عليه.